
ووصفت مجلة “بوليتيكو” ماكرون بأنه تحول من كونه رائدا لأفكار التكامل الأوروبي إلى “شخص ممل يفسد أجواء الحماسة الجماعية”، وذلك في ظل الأزمات الداخلية التي يعاني منها.
وقبل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي المقررة في بروكسل يوم الخميس، أجرت المجلة مقابلات مع نحو عشرة دبلوماسيين ومسؤولين من دول أعضاء مختلفة، واتفقوا جميعا على أن ماكرون، بسبب انشغاله بالتحديات السياسية الداخلية وتركيزه على إرثه السياسي، بات يبطئ التقدم الأوروبي بدل أن يكون قاطرة له.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، طالبا عدم الكشف عن هويته: “ماكرون اليوم منشغل تماما بالشأن الداخلي. لم يعد ذلك القائد الأوروبي الذي عرفناه من قبل”.
وأشارت “بوليتيكو” إلى أن ماكرون رفض مؤخرا سلسلة من المبادرات الأوروبية، من بينها اقتراح بناء “جدار من الطائرات المُسيرة” لتأمين المجال الجوي في شرق الحلف، وتبسيط إجراءات انضمام أعضاء جدد، والدعوة إلى تطبيق أشد صرامة للمعايير البيئية في التعاون الدولي. وغالبا ما يتعامل ماكرون مع هذه المقترحات بحذرٍ أو حتى باستياء، خشية أن تثير ردود فعل سلبية لدى الرأي العام الفرنسي حيث يتناقض هذا الموقف بشكل صارخ مع رؤيته السابقة، ففي عام 2017، حين تولى الرئاسة لأول مرة، دعا ماكرون بقوة إلى “الاستقلالية الاستراتيجية” لأوروبا، سواء في المجال الاقتصادي أو الأمني، خاصة في ظل صعود دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن هذه الفكرة لم تلق ترحيبا فوريا من شركائه الأوروبيين آنذاك، فإنها باتت اليوم جزءا من الخطاب الرسمي للاتحاد الأوروبي وقادته. لكن ماكرون نفسه لم يعد يدافع عنها، إذ بات منشغلا فقط بكيفية تأمين إرثه السياسي داخل فرنسا.
وأوضح أحد مقربي ماكرون، طالبا عدم نشر اسمه، أن الرئيس يفتقر حاليا إلى “رأس المال السياسي” اللازم لدفع أجندته الطموحة، خاصة أن أي خطوة قد تستخدم من قبل اليمين المتطرف — وعلى رأسه مارين لوبان — لتعزيز شعبيته. وقال: “الوضع غير موات على الإطلاق؛ اليمين المتطرف يلاحقنا من الخلف. الحديث عن انضمام دول مثل ألبانيا أو الجبل الأسود إلى الاتحاد الأوروبي سيكون هدية مجانية للوبان. أما انضمام أوكرانيا، فسيؤدي فورا إلى احتجاجات عارمة من المزارعين الفرنسيين”.
وذهب المصادر التي تحدثت إلى “بوليتيكو” إلى أبعد من ذلك، مشيرين إلى أن حالة عدم الاستقرار السياسي المزمنة في فرنسا تُضعف مكانتها الأوروبية بشكل عام. فخلال العامين الماضيين وحدهما، تغيّر منصب رئيس الوزراء خمس مرات. وعلّق أحد الدبلوماسيين الأوروبيين قائلًا: “إذا لم يكن لديك حكومة فاعلة طوال ثمانية عشر شهرا، فستفقد تأثيرك في صنع القرار الأوروبي”.
وخلصت الصحيفة إلى أنه حتى ولو نجح ماكرون في الخروج من أزمته السياسية الحالية، فإن العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين يشكّكون في قدرته على استعادة دوره القيادي السابق داخل الاتحاد. بل إن بعضهم بدأ يتحدث عنه بصيغة الماضي، رغم أنه سيظل رئيسا لفرنسا حتى عام 2027.
المصدر: بوليتيكو