منذ نهاية الحرب الباردة، تجاهلت واشنطن عموماً منطقة القطب الشمالي. إلا أن هذه المنطقة، المعروفة باسم “الشمال الأعلى”، ازدادت تنافسيتها في السنوات الأخيرة. وقد أنجزت القيادة الشمالية الأمريكية مناورة تدريبية ميدانية في ألاسكا هذا الشهر. وبصفتنا قوة قطبية يجب أن ننظر إلى “الشمال الأعلى” على أنه أولوية استراتيجية.
لقد بيّنت إدارة ترامب رغبتها في ترسيخ نفوذها في الشمال الأعلى من خلال خطط استغلال موارد ألاسكا الطبيعية ودعم ميثاق كاسحات الجليد (ICE Pact). وهذا جهد تعاوني لكسر الجليد بين الولايات المتحدة وكندا وفنلندا.
في الحقيقة كشف ذوبان الجليد البحري عن ممرات شحن بحرية حيوية مثل طريق البحر الشمالي (NSR)، الذي يربط أوروبا بشرق آسيا. ومع توسع الوصول إلى نفط وغاز القطب الشمالي، ستزداد أهمية طريق البحر الشمالي، مما يجعله هدفاً استراتيجياً مستمراً لخصوم أمريكا.
وتُعدّ روسيا بالطبع المنافس الرئيسي في القطب الشمالي، وحاولت فرض سيطرتها على طريق البحر الشمالي بالتزامن مع إعادة فتح قواعدها التي تعود إلى الحقبة السوفيتية في الشمال الأعلى وتوسيع بنيتها التحتية قرب الحدود الفنلندية. وفي أحدث وثيقة لسياسة روسيا الخارجية، نشرتها وزارة الخارجية، تُصنّف منطقة القطب الشمالي كإحدى أولوياتها الإقليمية؛ وتأتي في المرتبة الثانية بعد “الخارج القريب”، وهو مصطلح يشمل امتداد الاتحاد السوفيتي السابق.
ومع أن روسيا هي اللاعب والمنافس الرئيسي في القطب الشمالي، فلا يمكن تجاهل الصين التي تصنّف نفسها “كدولة قريبة من القطب الشمالي”، مما يسمح لها بتنامي وجودها في الشمال الأعلى. كما أنها تعمل على تعزيز علاقاتها مع موسكو.
وفي صيف عام 2024، أجرت طائرتان عسكريتان روسيتان من طراز TU-95 وطائرتان عسكريتان صينيتان من طراز H-6 تدريبات مشتركة داخل منطقة تحديد الدفاع الجوي في ألاسكا. ومن المتوقع هذا العام أن يجمعوا بين دوريات قاذفات القنابل في القطب الشمالي والعمليات البحرية لإظهار شراكتهم الوثيقة.
وتتطلب هذه التحالفات، بين روسيا والصين، استراتيجية أمريكية جادة مبنية على الجاهزية والردع والتعاون مع الحلفاء. ولحسن الحظ، تُقدم السويد – أحدث عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحليف وثيق للولايات المتحدة، وعضو في مجلس القطب الشمالي – نموذجاً يُحتذى به في مجال التأهب في القطب الشمالي.
تقوم السويد بدور هام في الشمال؛ حيث يتدرب حراس القطب الشمالي السويديون في فوج نوربوتن I-19 – وهو أسرع الألوية نمواً في الجيش السويدي. ويتخصص كل لواء من حراس القطب الشمالي في العمليات شبه القطبية، ومن خلال الوعي الميداني والتدريب المشترك والتوافق التشغيلي، نجحوا في بناء قدرات قوية ومستدامة لتعزيز الردع في القطب الشمالي. وفي أكتوبر 2024، اقترحت السويد إنشاء لواءين ميكانيكيين إضافيين في شبه القطب الشمالي بهدف تعزيز القدرات في الشمال السويدي العالي بحلول عام 2028.
ولم تقتصر فائدة تجربة السويد على استفادة الولايات المتحدة فحسب، بل وفرت إطاراً عملياً لتدريب قواتنا من خلال التدريبات المشتركة. فعلى سبيل المثال، في عام 2019، أُجريت مناورة “رياح الشمال 2019” التدريبية في شمال السويد، وشارك فيها ما مجموعه 10 آلاف فرد من 5 دول أعضاء في حلف الناتو: السويد والنرويج وفنلندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
أما في يناير 2022 فقد تدرب عدد من أفراد سرب التكتيكات الخاصة 123 التابع للحرس الوطني الجوي في كنتاكي مع المركز السويدي لحرب المناطق شبه القطبية، حيث تعلموا كيفية البقاء على قيد الحياة في درجات حرارة شديدة البرودة والانخراط في هجوم فعال وقوي.
تُهيّئ هذه التدريبات التعاونية الأفراد الأمريكيين لتحديات العمل في مسرح عمليات معادٍ يتميز ببيئة قاسية وتهديدات أمنية متعددة. وهذا يجعل التدريبات المشتركة المنتظمة، بالإضافة إلى التدريب الدوري في منطقة القطب الشمالي، أمراً ضرورياً للردع وزيادة القدرة على الفتك. ولكن ينبغي على الولايات المتحدة الاستثمار في جاهزيتها للقطب الشمالي.
يُدرّب مركز تدريب الحرب الشمالية في ألاسكا الفرقة 11 المحمولة جواً، والتي كانت معطّلة لمدة 57 عاماً حتى عام 2022، أما اليوم فهي على قدر المسؤولية. ويُتوقع من هؤلاء الجنود الأمريكيين، المعروفين الآن باسم “ملائكة القطب الشمالي”، أن يكونوا خبراء في حرب القطب الشمالي، مُدرّبين على القتال في ظروف البرد القارس وفي البيئات الجبلية وخطوط العرض العليا.
ومن الضروري أن تُواصل أمريكا استثمارها في هذه القوات وقوات مماثلة لزيادة قوتها في القطب الشمالي. وقد كان شركاؤنا الشماليون مُتّسقين واستباقيين في التزامهم بأمن القطب الشمالي، وحان الوقت للولايات المتحدة أن تحذو حذوهم من خلال توسيع نطاق وجودها العسكري لمواجهة الخصوم وردعهم.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب