
شغل نيد برايس منصب نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة في إدارة بايدن ومستشاراً كبيراً ومتحدثاً باسم وزارة الخارجية. فكيف يرى سياسة ترامب الخارجية؟
لقد حظي توسط الرئيس دونالد ترامب لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بإشادة واسعة من مختلف الأطياف السياسية، وهو أمر مستحق. وبالنسبة لمنتقديه، يُعدّ هذا إنجازاً نادراً، وربما فريداً، في سياسة خارجية متعثرة، تُعرف عادة بالاندفاع والارتجال.
لم يُنهِ ترامب حرب روسيا ضد أوكرانيا منذ اليوم الأول لرئاسته، بل اتخذ كل موقف يمكن تخيله تقريباً مع تصاعد الحرب. فبدلاً من إبرام اتفاق نووي دائم مع طهران أمر بشن غارات جوية أمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، مؤخِراً برنامجها مؤقتاً فقط، ومُخاطراً بصراع أوسع نطاقاً، ومُبقياً شبح السلاح النووي الإيراني يلوح في الأفق. كما دمّر في الوقت نفسه المؤسسات التي تحتاجها الولايات المتحدة لمواجهة تحديات العالم واغتنام الفرص، بدءاً من مجلس الأمن القومي ومروراً بوزارة الخارجية ثم وصولاً إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
مع ذلك فإن من يهتمون منا بقوة أمريكا ونفوذها العالمي في السنوات القادمة مُلزمون بمقاومة الإدانة الانعكاسية الشاملة لنهج ترامب. وتكشف نظرة متعمقة إلى سجله عن بعض التكتيكات التي من الحكمة أن تتبناها الإدارات المستقبلية.
أولاً، يبدو أن ترامب يدرك أن الدبلوماسية تعني التعامل مع العالم كما هو، لا كما نرغب أن يكون. وقد اعتمدت إدارته المثل الدبلوماسي القائل بأن الدول تتفاوض على السلام مع أعدائها، لا مع أصدقائها. وقد تحدثت الإدارة مع عديد من الخصوم – بما في ذلك حماس وإيران والحوثيين وروسيا والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وفي بعض الحالات، ساهم ذلك في استمرار الحوارات التي جرت خلال إدارة بايدن، والتي شغلتُ خلالها مناصب رفيعة في وزارة الخارجية؛ حيث كنا عادة ندير هذه المحادثات بتكتم أكبر. ومع ذلك فإن الإدارة الحالية محقة في عدم إحاطة هذه المحادثات بالسرية؛ فهناك فضيلة في الإشارة إلى العالم بأن أمريكا مستعدة للتحدث مع أي شخص لديه القدرة على حل الخلافات.
علاوة على ذلك، استغل ترامب نفوذ أمريكا بفعالية. ويُعدّ نهجه المتطور تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مثالاً على ذلك. ففي البداية أهدرت الإدارة الأمريكية وقف إطلاق النار الذي ورثته من البيت الأبيض بقيادة بايدن، متبعة نهجاً متساهلاً مع استئناف نتنياهو حملته العسكرية في قطاع غزة في الربيع. ثم لم تحرك واشنطن ساكناً، إذ طبّق رئيس الوزراء سياسة تشبه التجويع القسري، مانعة بذلك دخول جميع الإمدادات الإنسانية تقريباً إلى غزة.
لكن هذا الوضع تغير بعد الهجوم الإسرائيلي الفاشل الذي استهدف قادة حماس في قطر. وبدا أن محاولة اغتيال المفاوضين أقنعت ترامب أخيراً بعدم جدية نظيره بشأن المفاوضات، مما دفعه إلى ممارسة نفوذ لم يمارسه هو ولا سلفه، إنصافاً. وفي غضون أيام، أجبر ترامب نتنياهو على الاعتذار مباشرة لنظيره القطري ونشر صورة للمكالمة من المكتب البيضاوي، في تذكير واضح بمن يمسك بزمام الأمور. والأهم من ذلك، ضغط ترامب على نتنياهو لقبول خطته المكونة من 20 نقطة لوقف إطلاق النار، في الوقت الذي ضغط فيه الشركاء العرب على حماس. وكان هذا التذكير بمثابة تذكير متأخر بأن الولايات المتحدة هي القوة العظمى في هذه العلاقة.
أخيراً، تصرفت إدارة ترامب وفقاً لأجندتها في السياسة الخارجية بمنأى إلى حد كبير عن أي انتقادات سياسية محتملة. خذ على سبيل المثال قرار التعامل المباشر مع حماس، وهو خيار محفوف بالمخاطر نظراً لسجلها السيء على مدى عقود، بما في ذلك حادثة 7 أكتوبر 2023، والتي كانت الأكثر شهرة؛ إذ كان مبعوث الإدارة لشؤون الرهائن هدفا لهجمات سياسية عندما عُرفت محادثاته المباشرة مع قادة حماس، كجزء من جهود لتحرير الرهائن الأمريكيين المتبقين آنذاك، في وقت سابق من هذا العام. ومع ذلك، أفادت التقارير أن مبعوث ترامب الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس، جاريد كوشنر، التقيا بحماس مؤخراً لتأمين وقف إطلاق نار أوسع نطاقاً، على الرغم من احتمال حدوث رد فعل مماثل.
إن قبضة ترامب على قاعدته الانتخابية تمنحه مرونة في المناورة لم يتمتع بها إلا القليل من أسلافه، إن وُجدوا. لكن استعداده لتحمل هذه الانتقادات يذكرنا بأن الرؤساء ليسوا مضطرين للرضوخ للضغوط السياسية الداخلية من الكونغرس وجماعات المصالح الخاصة.
لكن هذه النجاحات لم تجعل أمريكا أكثر أماناً؛ بل العكس صحيح، ويعود ذلك جزئياً إلى فشل الإدارة في دمج هذه التكتيكات القليلة الجديرة بالإعجاب ضمن استراتيجية أوسع متماسكة. فعلى سبيل المثال، بينما سمح البيت الأبيض بإجراء محادثات مباشرة مع إيران، أهدر ترامب في النهاية فرصة اغتنام صفقة دبلوماسية ناشئة بتوجيهه البنتاغون للانضمام إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران. وبالمثل، على الرغم من انخراط الإدارة المبكر مع مادورو، عزز البيت الأبيض حشوداً عسكرية في منطقة البحر الكاريبي قد تنذر بحملة مكلفة ضد نظامه.
وكل هذا يمثل مادة مشروعة لانتقاد هذه الإدارة. ومع ذلك، وبينما نفكر في المرحلة القادمة من تاريخ أمريكا، سيكون من الخطأ عدم التعلم من الجوانب القليلة التي أجادها ترامب. ويتمثل التحدي الذي تواجهه الإدارة القادمة في ربط هذه الغرائز بالمبادئ والأهداف، والسعي إلى سياسة خارجية تحقق باستمرار مصالح الشعب الأمريكي.
المصدر: واشنطن بوست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب