
يتزامن هذا التوتر مع تصاعد شكاوى الشركات الأوروبية من عقبات غير متوقعة، وسط مخاوف من أن تتحول التفاهمات المعلنة إلى مجرد “هدنة مؤقتة”. كما يثير الخطاب المتشدد من جانب الإدارة الأميركية قلقاً متزايداً في العواصم الأوروبية التي ترى في الإجراءات الأخيرة تهديداً مباشراً لقطاعاتها الصناعية.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أنه:
- عندما كشف الرئيس ترامب عن اتفاقه التجاري مع الاتحاد الأوروبي في يوليو اعتقدت الشركات في جميع أنحاء الكتلة أن ذلك سينهي أشهراً من عدم اليقين في واحدة من أكثر العلاقات التجارية ربحية في العالم.
- لكن بعد أقل من شهرين، يتزايد الإحباط من الاتفاق في أوروبا.
- تُوقف الشركات صادراتها إلى الولايات المتحدة، وتشتكي من العقبات البيروقراطية الجديدة، وتُحذر من حقبة جديدة من عدم القدرة على التنبؤ.
- السبب: قرار إدارة ترامب بتوسيع نطاق تعرفاتها الجمركية البالغة 50 بالمئة على المعادن لتشمل مئات المنتجات الإضافية التي تحتوي على الفولاذ والألمنيوم، مما أدى إلى فرض تعرفات جمركية على عدد كبير من الشركات المصنعة الأوروبية أعلى من نسبة 15 بالمئة التي اتفق عليها ترامب والاتحاد الأوروبي على معظم المنتجات.
وفي حين استهدفت الرسوم الجمركية الأميركية على الصلب والألومنيوم في البداية المعادن نفسها ومعظم الأجزاء المعدنية، مثل البراغي، فإنها تنطبق الآن على أشياء مثل المحركات والمضخات وأدوات الآلات ومعدات البناء.
وكتب بيرترام كاولاث، رئيس جمعية صناعة الهندسة الميكانيكية الألمانية (VDMA)، في رسالة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين نهاية أغسطس: “يخضع حوالي 30 بالمئة من واردات الآلات الأميركية من الاتحاد الأوروبي لرسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على محتوى المعدن في المنتج”. وأضاف أن القطاع يواجه “أزمة وجودية”.
قلق أوروبي
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي أنور القاسم، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن اتساع نطاق المنتجات الأوروبية التي شملتها التعرفات الأميركية “يدفع الشركات الأوروبية للمطالبة بإعادة النظر في اتفاقية التجارة بين الطرفين”.
ويوضح القاسم أن ما تقوم به إدارة الرئيس ترامب يرقى، من وجهة نظر الأوروبيين، إلى حرب على الاقتصاد الوطني، لاسيما بالنسبة لكبرى الشركات، مشيراً إلى أن “تصلب الموقف الأميركي قد يفتح الباب أمام ردود أوروبية، ربما في شكل عقوبات اقتصادية مضادة على الولايات المتحدة، وهو ما قد يمتد ليأخذ أبعادًا سياسية وربما أبعد من ذلك”.
يؤكد القاسم أن فترات الهدنة أو التأجيل ليست سوى فرصة لالتقاط الأنفاس ودراسة البدائل، مشدداً على أن الاقتصاد الأميركي لا يمكنه الاستغناء عن أوروبا، وكذلك الأمر بالنسبة للاقتصادات الأوروبية التي لا تستطيع الانفصال عن السوق الأميركية.
إلغاء الرسوم
وقبيل أيام، قال الرئيس الأميركي، إن الولايات المتحدة قد تضطر إلى “إلغاء” اتفاقيات تجارية أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى إذا خسرت قضية الرسوم الجمركية أمام المحكمة العليا وحذر من أن الخسارة ستتسبب في “معاناة شديدة للغاية” للولايات المتحدة.
وأضاف للصحافيين: “لقد أبرمنا صفقة مع الاتحاد الأوروبي يدفعون لنا بموجبها ما يقارب تريليون دولار.. وتعلمون ماذا؟ إنهم راضون.. لقد حسم الأمر.. جميع هذه الصفقات مُبرمة”.
ووفق “رويترز”، فإن هذه التعليقات كانت هي الأولى التي يشير فيها ترامب على وجه التحديد إلى أن الاتفاقيات التجارية التي تم التوصل إليها مع شركاء تجاريين رئيسيين – والتي تم التفاوض عليها بشكل منفصل، خارج التعرفات الجمركية – يمكن إبطالها إذا سمحت المحكمة العليا للحكم الصادر من محكمة الاستئناف بإلغاء معظم الرسوم.
إجراءات مضادة
ولدى حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يشير خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، إلى أنّ توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية ستؤدي حتماً إلى “إجراءات مضادة من الجانب الأوروبي”.
ويضيف: “إصرار ترامب على فرض الرسوم وشعوره بالانتصار على حتى أقرب الحلفاء سيؤدي إلى تدهور في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الطرفين”، مؤكداً أن الأضرار ستكون متبادلة حيث سيتأثر كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويشير تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إلى أنه “رغم اتفاق التجارة الذي أبرم مؤخرا والزخم الإيجابي، يحذر مسؤولون آخرون في الاتحاد الأوروبي من أن العلاقات عبر الأطلسي لا تزال غير مستقرة في مجالات رئيسية، ويظل الكثيرون حذرين من ميل ترامب إلى التحولات السياسية غير المتوقعة”.
وبالإضافة إلى الرسوم الجمركية التي هدد بها ترامب على الدول الأجنبية التي تفرض ما يعتبره قواعد غير عادلة على شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة ، والتي كانت لفترة طويلة نقطة خلاف بين بروكسل وواشنطن، فإن العناصر الرئيسية للاتفاقية التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة تلك المتعلقة بصناعة السيارات الحيوية في القارة، لا تزال غير واضحة.
وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي لصحيفة “فايننشال تايمز” إن الصفقات المتعلقة بالدفاع والتجارة وأوكرانيا ينبغي النظر إليها على أنها “أكسبت الاتحاد الأوروبي بعض الوقت” فيما يتعلق بإدارة ترامب، بدلاً من تسوية مجالات الخلاف.
“ترقيع سياسي”
وبدوره، يقول الكاتب المتخصص في الاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية، إن ما سُمّي بـ”الهدنة التجارية” بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم يكن سوى تسوية مؤقتة، أقرب إلى “ترقيع سياسي” لاحتواء أزمة متصاعدة، أكثر من كونه اتفاقاً قائماً على أسس متوازنة ومستقرة.
ويوضح أن هذا التفاهم قُدّم كإنجاز دبلوماسي بين قوتين اقتصاديتين كبيرتين، غير أن الكفة جاءت راجحة بوضوح لصالح الولايات المتحدة سواء في مضمون الاتفاق أو في آليات تنفيذه، وهو ما جعله هشّاً منذ لحظة توقيعه.
ويضيف أن الواقع الأوروبي أظهر سريعاً أن هذه التنازلات جاءت استجابة لضغوط أميركية شديدة، خشية تصعيد كان يهدد بفرض رسوم تصل إلى 30 بالمئة على السلع الأوروبية، وهو ما كان سيُلحق ضرراً بالغاً بالصناعات، خصوصاً الألمانية والفرنسية.
كما يلفت إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي زادت الوضع تعقيداً، خصوصاً حين ألمح إلى إمكانية “تفكيك” الاتفاق (..). وينبه الديب بأن “ما يحدث اليوم يمثل أزمة ثقة حقيقية بين شريكين يُفترض أنهما يستندان إلى قيم اقتصادية وسياسية مشتركة.. هذه الهدنة التي كان يُفترض أن تُهدّئ الأجواء، كشفت عن اختلال عميق في ميزان القوة التفاوضية”.